«عندما تلعب كرة القدم في الفناء الخلفي لمنزلك، یمكنك بالتأكید أن تذھب بعیداً. عندما تلعب في البریمیرلیج، أو البطولات الأوروبیة الكبرى، تتعلم الكثیر من الحیل … لا یتعلَّق الأمر بالموھبة وحدها».
— الإنجلیزي جون بوریدج، مدرب حراس مرمى العین الإماراتي ومنتخب عُمان الأسبق
تمتلك دول الخلیج علاقة متناقضة مع كرة القدم، من جھة تبدو مھووسة باللعبة؛ إذ أصرت قطر على استضافة كأس العالم 2022 مھما كلفھا الأمر، تستثمر الإمارات ملیارات الدولارات في كرة القدم الأوروبیة، انتھاءً بما تقوم به المملكة العربیة السعودیة من استقطاب لصفوة نجوم أوروبا تحت اسم تطویر كرة القدم تحت إشراف صندوق الاستثمار السعودي، لكن من جھة أخرى، لا یزال اللاعب الخلیجي غیر قادر حتى اللحظة على ترك بصمة حقیقیة على مستوى عالمي.
ھنا تظھر مجموعة من الأسئلة المنطقیة: ھل یُفضِّل اللاعب الخلیجي اللعب في الفناء الخاص بمنزله فعلاً، أم أن القصة أكثر تعقیداً؟ لنرَ.
طبقاً لقانون الاحتمالات، تمتلك دول الخلیج الثریة مجموعة من مواھب كرة القدم القادرة على اللعب في أوروبا، لكنھا أبداً لم تمنحنا مؤشراً على ذلك، إلا في مناسبات شحیحة، قدَّمت خلالھا بعض ھذه المواھب بضع لمحات، تُخبر العالم أن ھذه البقعة من العالم تمتلك شیئاً ما، لكن لسبب ما، لا تصل أخباره للجانب الآخر من عالم كرة القدم.
كان سعید العویران، أحد ھؤلاء القلائل الذین لم تُستثمَر موھبتھم في الترویج لفكرة اللاعب الخلیجي والسعودي بشكل خاص … بعد ھدفه المارادوني في مرمى بلجیكا بكأس العالم 1994، تتبعته أندیة برتغالیة وبرازیلیة، لكن قوانین الاحتراف منعته من مغادرة المملكة دون إذن نادیه.
ربما ربح العویران الكثیر عبر بقائه داخل السعودیة؛ إذ أصبح نجماً حقیقیاً، یوقِّع عقوداً لشركات ضخمة وتنھال علیه ھدایا الأمراء، لكن في نفس الوقت، لم تستثمر المملكة في موهبته، أو بالأحرى لم تصنع منه بوابة لخروج العشرات إلى أوروبا، حیث كرة القدم الحقیقیة.
في 2002، تساءل مایكل تشیرش، صحفي جاردیان البریطانیة، عن السبب الحقیقي لعدم وجود أي لاعب سعودي في أوروبا حتى ذلك الوقت، مستعیناً بإجابات من سامي الجابر، مھاجم الھلال والمنتخب السعودي، الذي سبق أن ذاق طعم اللعب في أوروبا لستة شھور فقط، عبر بوابة وولفرھامبتون الإنجلیزي.
یعزو الجابر ھذا الغیاب لعدة أسباب، منھا عدم قدرة المملكة على تسویق مواھبھا الممیزة، والأھم ھو تمسُّك مسئولي الأندیة السعودیة بالمواھب ورفض خوضھم للاحتراف، بحجة الحفاظ على مستوى المسابقة المحلیة.
قد تجعل ھذه الأسباب من ھذه المنطقة بقعة غیر مُفضلة للبحث عن المواھب من قبل كشافة الأندیة الأوروبیة؛ لأن الأندیة الأوروبیة لا تحتاج فقط لموھبة، بل موھبة یسھل الحصول علیھا، خاصةً إن كانت لا توجد ضمانات حقیقیة لنجاحھا.
«عبارة لاعب كرة قدم برازیلي تماثل في تأثیرھا عبارة طاهٍ فرنسي أو راهب من التبت».
— ألیكس بیلوس، مؤلف كتاب كرة القدم على الطریقة البرازیلیة
إن كنت لاعباً من خارج قارة أوروبا أو أمریكا الجنوبیة، فلا توجد طریقة یمكن لنادٍ من أندیة النخبة الأوروبیة اكتشافك من خلالھا، أو بالأحرى تكون تلك مھمة الأندیة الأقل شأناً، مثل أندیة بلجیكا وفرنسا ودول شرق أوروبا.
طبقاً لذي أثلیتیك، لا تمتلك الأندیة الأوروبیة الكبیرة كشافین في بعض المناطق التي عادة ما تكون خارج نطاق استھدافھا.
إذن، لبعض المساحات الجغرافیة سمعة أفضل من غیرھا، فیما یتعلَّق بالمواھب، وبالتأكید منطقة الخلیج في ذیل ھذه القائمة.
تقودنا مسألة السمعة مباشرة إلى السبب الثاني الذي یمكن من خلاله تفسیر ظاهرة غیاب اللاعب الخلیجي عن الملاعب الأوروبیة، وھو التشبُّع.
سنویاً، یُشحن عشرات آلاف اللاعبین الأفارقة إلى أوروبا، في البدایة یبحث كل منھم عن حلم التحوُّل للاعب كرة قدم عظیم، منھم من ینجح في تحقیق ذلك بالطریقة الصعبة، ومنھم من ینتھي به المطاف باحثاً عن أي وظیفة عوضاً عن العودة إلى بلاده.
حكى ألیكس بیلوس، في كتابه كرة القدم على الطریقة البرازیلیة، قصة مشابھة عن لاعب كرة قدم برازیلي هرب من ضیق الحال باحثاً عن فرصة للعب الكرة في أوروبا؛ إذ ارتضى باللعب في جزر فارو، فینشط كلاعب كرة قدم عصراً، ویعمل صیاداً وبائعاً للأسماك في الصباح.
ھذا ما لن یرضى به اللاعب السعودي أو الإماراتي الموهوب؛ لأنه لیس مضطراً للھروب من أي جحیم، بالعكس تماماً، فتحوله للاعب كرة قدم محترف في دوري بلاده یعني الوصول لقمة الثراء، وعمر عبد الرحمن «عموري» خیر مثال.
«لسنوات عدیدة، عاش عموري مدللاً، اتضح أنه لا ینوي ترك منطقة راحته، لم یظھر أي میل لھز القارب والتحرُّك غرباً».
— مات موناجھان، مراسل موقع 360 سبورت
إذا افترضنا وجود موهبة خلیجیة قادرة بكل سھولة على اللعب في أعلى المستویات، فھذه الموهبة هي عمر عبد الرحمن دون شك، فمنذ 2012 جذب الإماراتي الشاب أعین مدربي مانشستر سیتي بعدما أمضى فترة معایشة قصیرة مع النادي.
وقتئذٍ لم یستطع عبد الرحمن اللعب في إنجلترا لعدم حصوله على تصریح عمل، لكن الأهم كان رفضه التوقیع على عقد إعارة لأحد الأندیة البلجیكیة أو الفرنسیة لتسریع عملیة نقله إلى البریمیرلیج.
تعاملت إدارة العین الإماراتي مع عموري وكأنه ثروة قومیة لا یمكن المساس بھا؛ إذ قُدم للاعب یمني الأصل الذي ولِد على الأراضي السعودیة كل ما یمكن أن یُقدَّم؛ بدایةً من عقد خرافي وصل إلى 75 ألف إسترلیني أسبوعیاً، وصولاً إلى منحه الجنسیة الإماراتیة، مروراً بتسجیل شقیقیه محمد وخالد لاعبَین للفریق.
إذا حاولنا إسقاط تجربة عموري على بعض المواھب الخلیجیة التي كان متوقعاً لھا أن تكسر الحاجز بین بلادها وبین اللعب في المسابقات الأوروبیة، نجد أن القاسم المشترك الأعظم هو مدى استعداد اللاعب للتخلي عن جزء ضخم من راتبه إضافة للھدایا والممیزات التي یحظى بھا، فقط لكونه لاعب كرة قدم لنادٍ یعتبره أحد الأثریاء امتداداً له.
على سبیل المثال، یبلغ راتب سالم الدوسري وسعود عبد الحمید 3.5 ملیون دولار و1.1 ملیون دولار، في حین أن متوسط رواتب الدوري البلجیكي 305 آلاف دولار، ومتوسط رواتب الدوري الھولندي 373 ألف دولار، بالتالي یتطلب اللعب في أوروبا تنازلاً مادیاً ضخماً.
«من الصعب علینا كمدربین الترویج للاعب السعودي، لسببین: أولاً یمتلك اللاعب السعودي عادة عقداً جیداً جداً، وثانیاً لأن الأندیة الأوروبیة لا ترسل كشافیھا إلى الشرق الأوسط؛ ھنا لا توجد أي فرصة، تبحث الأندیة الأوروبیة الكبیرة عن لاعبین في أسواق أرخص مثل السوق البرتغالیة».
— خورخي خیسوس، المدیر الفني للھلال السعودي.
في إحدى المحاولات المراهقة لدفع اللاعبین السعودیین للاحتراف أعلن تركي آل الشیخ، رئیس مجلس إدارة الھیئة العامة للترفیه، توقیع اتفاقیة مع رابطة الدوري الإسباني، انتقل بموجبھا تسعة لاعبین دولیین لأندیة إسبانیة مختلفة في منتصف موسم .2018
انتھت التجربة نھایةً مأساویة بكل تأكید؛ إذ عاد اللاعبون جمیعاً لأندیتھم وفي جعبتھم مشاركات لا تتعدى بضع دقائق، فیما اكتفى البعض منھم بمشاھدة المباریات فقط.
اعتبر فرناندو سانز، مدیر «لا لیجا» لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفریقیا، التجربة إخفاقاً ذریعاً على المستوى الریاضي، لكنه في نفس الوقت أكَّد أن ما حدث كان منطقیاً؛ فبغض النظر عن توقعات السعودیین تجاه لاعبیھم، ففارق المستوى بین كرة القدم السعودیة ونظیرتھا الإسبانیة حال دون منحھم أي دقائقٍ تُذكر.
«اختلاف طبیعتنا الجسمانیة، مواعید نومنا أو أكلنا وطریقتنا بالحیاة بشكل عام تختلف عن المحترفین تمامًا، كان ھناك مجموعة من اللاعبین السعودیین الذین واجھتھم صعوبات في التأقلم بأوروبا وعادوا».
— تركي آل الشیخ
لم یكن فارق المستوى وحده سبباً في الفشل، طبقاً لدیفید كوبانو، المدیر الریاضي لرایو فایكانو، الذي استعار اللاعب عبد المجید الصلیھم في ذلك التوقیت، بل صعوبة التأقلم؛ إذ فشل اللاعب في التكیُّف الذي طرأ على حیاته، كما لم یكن قادراً على التواصل مع أي أحد دون مساعدة مترجم خاص ملازم له، لأنه لا یجید التحدث إلا باللغة العربیة.
بعد أربع سنوات تقریباً، أعادت المملكة العربیة السعودیة المحاولة مجدداً عبر برنامج الابتعاث، الذي أخذ في الاعتبار أخطاء الماضي؛ إذ اختِیرت مجموعة من المواھب ووُضِعت في ظروف شبه محترفة داخل معسكر مغلق في إسبانیا، نتج عنه تصدیر نحو 17 لاعباً شاباً لأندیة متوسطة في أوروبا.
لكن یبدو أن ریما لم تتخلَّص بعدُ من عاداتھا، ربما لنفس الأسباب التي ذُكرت أعلاه، فمن أصل 17 لاعباً عاد 10 لاعبین للمسابقة المحلیة، ربما لأنھم اشتاقوا سریعاً للعب في الفناء الخلفي للمنزل.
# كرة القدم # كرة القدم السعودية # كرة القدم الإماراتية # كرة القدم العربية